سورة البقرة - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)}
{وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ} نصب عطف على {نِعْمَتِيَ} أي اذكروا نعمتي وتفضيلي {عَلَى العالمين} على الجم الغفير من الناس، كقوله تعالى: {بَارَكْنَا فِيهَا للعالمين} [الأنبياء: 71] يقال: رأيت عالماً من الناس يراد الكثرة {يَوْمًا} يريد يوم القيامة {لاَّ تَجْزِى} لا تقضي عنها شيئًا من الحقوق. ومنه الحديث في جذعة بن نيار: «تجزي عنك ولا تجزي عن أحد بعدك» و{شَيْئاً} مفعول به ويجوز أن يكون في موضع مصدر، أي قليلاً من الجزاء، كقوله تعالى: {وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [مريم: 60] ومن قرأ {لا تجزئ} من أجزأ عنه إذا أغنى عنه، فلا يكون في قراءته إلا بمعنى شيئاً من الإجزاء.
وقرأ أبو السرار الغنوي: {لا تجزي نسمة عن نسمة شيئاً}. وهذه الجملة منصوبة المحل صفة ل (يوماً).
فإن قلت: فأين العائد منها إلى الموصوف؟ قلت: هو محذوف تقديره: لا تجزي فيه. ونحوه ما أنشده أبو علي:
تَرَوَّحِي أَجْدَرُ أَنْ تَقِيلِي ***
أي ماء أجدر بأن تقيلي فيه. ومنهم من ينزل فيقول: اتسع فيه، فأجرى مجرى المفعول به فحذف الجار ثم حذف الضمير كما حذف من قوله: أم مال أصابوا. ومعنى التنكير أن نفساً من الأنفس لا تجزي عن نفس منها شيئاً من الأشياء، وهو الإقناط الكلي القطّاع للمطامع. وكذلك قوله: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شلفاعة وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} أي فدية لأنها معادلة للمفدى. ومنه الحديث: «لا يقبل منه صرف ولا عدل» أي توبة ولا فدية.
وقرأ قتادة: {ولا يَقْبَلُ منها شفاعةً} على بناء الفعل للفاعل وهو الله عز وجل، ونصب الشفاعة. وقيل: كانت اليهود تزعم أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم فأويسوا.
فإن قلت: هل فيه دليل على أنّ الشفاعة لا تقبل للعصاة؟ قلت: نعم، لأنه نفى أن تقضي نفس عن نفس حقاً أخلت به من فعل أو ترك، ثم نفى أن يقبل منها شفاعة شفيع فعلم أنها لا تقبل للعصاة.
فإن قلت: الضمير في {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا} إلى أي النفسين يرجع؟ قلت: إلى الثانية العاصية غير المجزى عنها، وهي التي لا يؤخذ منها عدل. ومعنى لا يقبل منها شفاعة: إن جاءت بشفاعة شفيع لم يقبل منها. ويجوز أن يرجع إلى النفس الأولى، على أنه لو شفعت لها لم تقبل شفاعتها، كما لا تجزئ عنها شيئاً، ولو أعطت عدلاً عنها لم يؤخذ منها {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يعني ما دلت عليه النفس المنكرة من النفوس الكثيرة والتذكير بمعنى العباد والأناسي، كما تقول: ثلاثة أنفس.


{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)}
أصل {ءَالِ} أهل، ولذلك يصغر بأهيل، فأبدلت هاؤه ألفاً. وخصّ استعماله بأولى الخطر والشأن كالملوك وأشباههم، فلا يقال آل الإسكاف والحجام. و{فِرْعَوْنُ} علم لمن ملك العمالقة، كقيصر: لملك الروم، وكسرى: لملك الفرس. ولعتو الفراعنة اشتقوا: تفرعن فلان، إذا عتا وتجبر. وفي مِلَحِ بعضهم:
قَدْ جَاءَهُ الْمُوسَى الْكَلُومُ فَزَادَ فِي *** أقْصَى تَفَرْعُنِهِ وَفَرْطِ عُرَامِهِ
وقرئ: {أنْجيناكم} و {نجيتكم} {يَسُومُونَكُمْ} من سامه خسفاً إذا أولاه ظلماً. قال عمرو بن كلثوم:
إذَا مَا الْمَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفاً *** أَبَيْنَا أَنْ يَقِرَّ الْخَسْفُ فِينَا
وأصله من سام السلعة إذا طلبها، كأنه بمعنى يبغونكم {سُوءَ العذاب} ويريدونكم عليه. والسوء: مصدر السيئ: يقال: أعوذ بالله من سوء الخلق وسوء الفعل، يراد قبحهما. ومعنى {سُوءَ العذاب} والعذاب كله سيّئ: أشدّه وأفظعه، كأنه قبحه بالإضافة إلى سائره. و{يُذَبّحُونَ}: بيان لقوله: {يَسُومُونَكُمْ} ولذلك ترك العاطف كقوله تعالى: {يضاهئون قَوْلَ الذين كَفَرُواْ} [التوبة: 20].
وقرأ الزهري: {يذبحون} بالتخفيف كقولك: قطعت الثياب وقطعتها.
وقرأ عبد الله: {يقتلون}. وإنما فعلوا بهم ذلك لأنّ الكهنة أنذروا فرعون بأنه يولد مولود يكون على يده هلاكه، كما أنذر نمروذ. فلم يغن عنهما اجتهادهما في التحفظ، وكان ما شاء الله. والبلاء المحنة إن أشير ب (ذلكم) إلى صنيع فرعون. والنعمة إن أشير به إلى الإنجاء.


{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)}
{فَرَقْنَا} فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك لكم. وقرئ: فرّقنا، بمعنى فصلنا. يقال: فرق بين الشيئين، وفرّق بين الأشياء؛ لأن المسالك كانت اثني عشر على عدد الأسباط.
فإن قلت: ما معنى {بُكْمٌ}؟ قلت: فيه أوجه: أن يراد أنهم كانوا يسلكونه، ويتفرّق الماء عند سلوكهم، فكأنما فرق بهم كما يفرق بين الشيئين بما يوسط بينهما، وأن يراد فرقناه بسببكم، وبسبب إنجائكم، وأن يكون في موضع الحال بمعنى فرقناه ملتبساً بكم كقوله:
تَدُوسُ بِنَا الْجَمَاجِمَ وَالتَّرِيبَا ***
أي تدوسها ونحن راكبوها. وروى أنّ بني إسرائيل قالوا لموسى: أين أصحابنا لا نراهم؟ قال: سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم. قالوا: لا نرضى حتى نراهم. فقال: اللَّهم أعني على أخلاقهم السيئة. فأوحى إليه: أن قل بعصاك هكذا، فقال بها على الحيطان. فصارت فيها كوى. فتراؤا وتسامعوا كلامهم {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} إلى ذلك وتشاهدونه لا تشكون فيه.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12